فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قلت: ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الواصلة والمستوصِلة والواشِمة والمستوشِمة» أخرجه مسلم.
فنهى صلى الله عليه وسلم عن وصل المرأة شعرها؛ وهو أن يضاف إليه شعر آخر يكثر به، والواصلة هي التي تفعل ذلك، والمستوصِلة هي التي تستدعي من يفعل ذلك بها.
مسلم عن جابر قال: زجر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن تِصل المرأة بشعرها شيئًا.
وخرّج عن أسماء بنت أبي بكر قالت: جاءت امرأة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن لي ابنة عُرَيِّسا أصابتها حِصْبة فتمرّق شعرها أفأصِله؟ فقال: «لعن الله الواصلة والمستوصِلة» وهذا كله نص في تحريم وصل الشعر، وبه قال مالك وجماعة العلماء.
ومنعوا الوصل بكل شيء من الصوف والخِرق وغير ذلك؛ لأنه في معنى وصله بالشعر.
وشذ الليث بن سعد فأجاز وصله بالصوف والخرق وما ليس بشعر؛ وهذا أشبه بمذهب أهل الظاهر.
وأباح آخرون وضع الشعر على الرأس وقالوا: إنما جاء النهي عن الوصل خاصة، وهذه ظاهرية محضة وإعراض عن المعنى.
وشذ قوم فأجازوا الوصل مطلقًا، وهو قول باطل قطعًا ترده الأحاديث.
وقد روي عن عائشة رضي الله عنها ولم يصح.
وروي عن ابن سيرين أنه سأله رجل فقال: إن أُمي كانت تَمشُط النساء، أتراني آكل من مالها؟ فقال: إن كانت تصل فلا.
ولا يدخل في النهي ما ربط منه بخيوط الحرير الملوّنة على وجه الزينة والتجميل، والله أعلم.
وقالت طائفة: المراد بالتغيير لخلق الله هو أن الله تعالى خلق الشمس والقمر والأحجار والنار وغيرها من المخلوقات؛ ليعتبر بها وينتفع بها، فغيرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة.
قال الزجاج: إن الله تعالى خلق الأنْعام لتُركب وتؤكل فحرّموها على أنفسهم، وجعل الشمس والقمر والحجارة مسخَّرة للناس فجعلوها آلهة يعبدونها، فقد غيّروا ما خلق الله.
وقاله جماعة من أهل التفسير: مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة.
وروي عن ابن عباس {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله} دين الله؛ وقاله النخعِيّ، واختاره الطبري قال: وإذا كان ذلك معناه دخل فيه فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ووشم وغير ذلك من المعاصي؛ لأن الشيطان يدعو إلى جميع المعاصي؛ أي فليغيرنّ ما خلق الله في دينه.
وقال مجاهد أيضًا: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله} فطرة الله التي فطر الناس عليها؛ يعني أنهم ولدوا على الإسلام فأمرهم الشيطان بتغييره، وهو معنى قوله عليه السَّلام: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه» فيرجع معنى الخلق إلى ما أوجده فيهم يوم الذَّرِّ من الإيمان به في قوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى} [الأعراف: 172].
قال ابن العربيّ: روي عن طاوس أنه كان لا يحضر نكاح سوداء بأبيض ولا بيضاء بأسود، ويقول؛ هذا من قول الله: {فَلَيغيِّرُونَّ خَلْقَ اللَّهِ}.
قال القاضي: وهذا وإن كان يحتمله اللفظ فهو مخصوص بما أنفذه النبيّ صلى الله عليه وسلم من نكاح مَوْلاه زيد وكان أبيض، بظئره بَرَكة الحبشية أُم أُسامة وكان أسود من أبيض، وهذا مما خفِي على طاوس مع علمه.
قلت: ثم أنكح أُسامة فاطمةَ بنت قيس وكانت بيضاء قرشية.
وقد كانت تحت بِلال أُختُ عبد الرّحمن بن عوف زُهْريَّة.
وهذا أيضا يخص، وقد خفي عليهما. اهـ. بتصرف يسير.
قوله تعالى: {وَمَن يَتَّخِذِ الشيطان وَلِيًّا مّن دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا}

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما حكى عن الشيطان دعاويه في الإغواء والضلال حذر الناس عن متابعته فقال: {وَمَن يَتَّخِذِ الشيطان وَلِيًّا مّن دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا} واعلم أن أحدًا لا يختار أن يتخذ الشيطان وليًا من دون الله، ولكن المعنى أنه إذا فعل ما أمره الشيطان به وترك ما أمره الرحمن به صار كأنه اتخذ الشيطان وليًا لنفسه وترك ولاية الله تعالى، وإنما قال: {خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا} لأن طاعة الله تفيد المنافع العظيمة الدائمة الخالصة عن شوائب الضرر، وطاعة الشيطان تفيد المنافع الثلاثة المنقطعة المشوبة بالغموم والأحزان والآلام الغالبة، والجمع بينهما محال عقلًا، فمن رغب في ولايته فقد فاته أشرف المطالب وأجلها بسبب أخس المطالب وأدونها، ولا شك أن هذا هو الخسار المطلق. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَن يَتَّخِذِ الشيطان وَلِيًّا مِّن دُونِ الله} أي يطيعه ويدع أمر الله.
{فَقَدْ خَسِرَ} أي نقص نفسه وغبنها بأن أعطى الشيطان حق الله تعالى فيه وتركه من أجله. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ومن يتخذ الشيطان وليًا من دون الله فقد خسر خسرانًا مبينًا} أي من يؤثر حظ الشيطان على حظه من الله.
وكأنه لما قال إبليس: لأتخذن من عبادك نصيبًا، فذكر أنه يصطفيهم لنفسه، أخبر أنهم قبلوا ذلك الاتخاذ وانفعلوا له، فاتخذوه وليًا من دون الله.
والوليّ هنا قال مقاتل: بمعنى الرب.
وقال أبو سليمان الدمشقي: من الموالاة، ورتب على هذا الاتخاذ الخسران المبين، لأن من ترك حظه من الله لحظ الشيطان فقد خسرت صفقته.
وقوله: {من دون الله}، قيد لازم.
لأنه لا يمكن أن يتخذ الشيطان وليًا إلا إذا لم يتخذ الله وليًا، ولا يمكن أن يتخذ الشيطان وليًا ويتخذ الله وليًا، لأنهما طريقان متباينان، لا يجتمعان هدى وضلالة.
وهذه الجملة الشرطية محذرة من اتباع الشيطان. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة {ومن يتُخذ الشيطان وليًّا من دون الله فقد خسر خسرانًا مبينًا} تذييل دالّ على أنّ ما دعاهم إليه الشيطان: من تبتيك آذان الأنعام، وتغيير خلق الله، إنّما دعاهم إليه لما يقتضيه من الدلالة على استشعارهم بشعاره، والتديّن بدعوته، وإلاّ فإنّ الشيطان لا ينفعه أن يبتّك أحد أذن ناقته، أو أن يغيّر شيئًا من خلقته، إلاّ إذا كان ذلك للتأثّر بدعوته. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا}.
بين هنا فيما ذكر عن الشيطان كيفية اتخاذه لهذا النصيب المفروض بقوله: {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنعام وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله} [النساء: 119] والمراد بتبتيك آذان الأنعام شق أذن البحيرة مثلًا وقطعها ليكون ذلك سمة وعلامة لظنها بحيرة أو سائبة كما قاله قتادة والسدي وغيرهما، وقد أبطله تعالى بقوله: {مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ} [المائدة: 103] الآية والمراد ببحرها شق أذنها كما ذكرنا والتبتيك في اللغة التقطيع ومنه قول زهير:
حتى إذا ما هوت كف الوليد لها ** طارت وفي كفه من ريشها بتك

أي: قطع، كما بين كيفية اتخاذه لهذا النصيب المفروض في آيات أخر كقوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16- 17] وقوله: {أَرَأَيْتَكَ هذا الذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إلى يَوْمِ القيامة لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} [الإسراء: 62] الأية. ولم يبين هنا هل هذا الظن الذي ظنه إبليس ببني آدم أنه يتخذ منهم نصيبًا مفروضًا وأنه يضلهم تحقق لإبليس، أولا ولكنه بين في آية أخرى أن ظنه هذا تحقق له وهي قوله: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} [سبأ: 20] الآية. ولم يبين هنا الفريق السالم من كونه من نصيب إبليس ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله: {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} [الحجر: 39- 40] وقوله: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 100] إلى غير ذلك من الآيات ولم يبين هنا هل نصيب إبليس هذا هو الأكثر أو لا ولكنه بين في مواضع أخر أنه هو الأكثر كقوله: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ} [هود: 17] وقوله: {وَمَا أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] وقوله: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرض يُضِلُّوكَ} [الأنعام: 116] وقوله: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأولين} [الصافات: 71].
وقد ثبت في الصحيح أن نصيب الجنة واحد من الألف والباقي في النار.
قوله تعالى: {وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله}.
قال بعض العلماء: معنى هذه الآية أن الشيطان يأمرهم بالكفر وتغيير فطرة الإسلام التي خلقهم الله عليها، وهذا القول يبينه ويشهد له قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} [الروم: 30] إذ المعنى على التحقيق لا تبدلوا فطرة الله التي خلقكم عليها بالكفر. فقوله: {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} خبر أريد به الإنشاء إيذانًا بأنه لا ينبغي إلا أن يمتثل، حتى كأنه خبر واقع بالفعل لا محالة، ونظيره قوله تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ} [البقرة: 197] الآية أي: لا ترفثوا، ولا تفسقوا، ويشهد لهذا ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء، هل تجدون فيها من جدعاء» وما رواه مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار بن أبي حمار التميمي. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم».
وأما على القول بأن المراد في الآية بتغيير خلق الله خصاء الدواب، والقول بأن المراد به الوشم، فلا بيان في الآية المذكورة، وبكل من الأقوال المذكورة. قال جماعة من العلماء، وتفسير بعض العلماء لهذه الآية بأن المراد بها خصاء الدواب يدل على عدم جوازه. لأنه مسوق في معرض الذم واتباع تشريع الشيطان، أما خصاء بني آدم فهو حرام إجماعًا. لأنه مثلة، وتعذيب وقطع عضو، وقطع نسل من غير موجب شرعي، ولا يخفى أن ذلك حرام.
وأما خصاء البهائم فرخص فيه جماعة من أهل العلم إذا قصدت به المنفعة إما لسمن أو غيره، وجمهور العلماء على أنه لا بأس أن يضحي بالخصي، واستحسنه بعضهم إذا كان اسمن من غيره، ورخص في خصاء الخيل عمر بن عبد العزيز، وخصى عروة بن الزبير بغلًا له، ورخص مالك في خصاء ذكور الغنم، وإنما جاز ذلك. لأنه لا يقصد به التقرب إلى غير الله، وإنما يقصد به تطييب لحم ما يؤكل وتقوية الذكر إذا انقطع أمله عن الأنثى، ومنهم من كره ذلك لقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: «إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون» قاله القرطبي، واختاره ابن المنذر قال: لأن ذلك ثابت عن ابن عمر وكان يقول: هو: نماء خلق الله، وكره ذلك عبد الملك بن مروان.
وقال الأوزاعي: كانوا يكرهون خصاء كل شيء له نسل.
وقال ابن المنذر وفيه حديثان:
أحدهما: عن ابن عمر أن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «نهى عن خصاء الغنم والبقر والإبل والخيل».
والآخر: حديث ابن عباس أن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «نهى عن صبر الروح وخصاء البهائم» والذي في الموطأ من هذا الباب ما ذكره عن نافع عن ابن عمر أنه كان يكره الإخصاء، ويقول فيه تمام الخلق.
قال أبو عمر يعني في ترك الإخصاء تمام الخلق، وروى نماء الخلق.
قال القرطبي: بعد أن ساق هذا الكلام الذي ذكرنا قلت: «أسند أبو محمد عبد الغني من حديث عمر بن إسماعيل عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:» لا تخصوا ما ينمي خلق الله «رواه عن الدارقطني شيخه قال: حدثنا عباس بن محمد، حدثنا قراد، حدثنا أبو مالك النخعي عن عمر بن إسماعيل فذكره. قال الدارقطني: ورواه عبد الصمد بن النعمان عن أبي مالك» اه. من القرطبي بلفظه، وكذلك على القول بأن المراد بتغيير خلق الله الوشم، فهو يدل أيضًا على أن الوشم حرام.